قضايا الأوقاف
قرار رقم 1 الندوة الفقهية العاشرة 1997
درست الندوة قضايا الأوقاف وقرَّرت بهذا الصدد ما يلي:
أولاً:وقف الأراضي والممتلكات والأموال للأهداف الخيرية صدقة جارية في الإسلام وله أجر عظيم، والمسلمون يقفون الأراضي والممتلكات للمصالح الخيرية في كل بقعة من بقاع العالم، وتاريخ الإسلام والمسلمين في الهند قديم جداً، فالمسلمون مقيمون في جميع أنحاء البلاد، وتوجد أوقاف المسلمين للأهداف الدينية والخيرية في جميع الولايات والمناطق، والحفاظ على هذه الأوقاف وتنميتها وصرف مواردها حسب أهداف الواقفين وإنهاء الاحتلال الغاشم لممتلكات الأوقاف من أهم مسؤوليات المسلمين الهنود والحكومة الهندية.
ثانياً:المنظور الإسلامي الأصلي للأوقاف هو أنها تكون مؤبدة فلا يجوز بيعها أو نقلها في عامة الأحوال، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن الأوقاف: “لا تباع ولا توهب ولا تورث”، فينبغي أن تبذل كل المجهودات لرفع غلة الأوقاف وتنشيط فعاليتها مع إبقائها على وضعها السابق، وينبغي أن تسن قوانين خاصة بصيانة الأوقاف وزيادة ريعها وفقاً لمقاصد الواقفين.
ثالثاً: تمتاز المساجد من بين الأوقاف الأخرى بقداسةٍ وكرامةٍ أكثر، فلا يجوز بيعها أو نقلها في أي حال، حتى إذا أصبح المسجد خراباً أو انقطع عنه أداء الصلاة، وتبقى الأرض التي كان عليها المسجد مسجداً، وهي تحظى بقداسة المسجد وكرامته، وينبغي أن تبذل الجهود في سبيل عمارة المسجد عليها وإحيائه بشكل مستمر، يقول الله تعالى: {وأنَّ المسَاجِدَ لِلّه فلا تدعوا مع الله أحداً} (سورة الجن:18) ويقول سبحانه: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} (سورة التوبة: 18).
رابعاً: منع الناس من أداء الصلاة في المساجد ظلم عظيم ومعصية كبيرة، يقول الله عز وجل: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} (سورة البقرة: 114) وأي مسجد منع المسلمون فيه من أداء الصلاة منذ أمد بعيد أو تم احتلاله بطرق غير مشروعة أو هدمت بنايته يبقى مسجداً في الشريعة.
خامساً: منع أداء الصلاة في المساجد باعتبارها من الآثار القديمة ظلم في الشريعة، يقول الله سبحانه وتعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} (سورة البقرة: 114).
سادساً:ولدى انقسام الهند انتقل كثير من المسلمين إلى باكستان وخاصة من ولايات بنجاب وهريانة ودلهي وأترابراديش الغربية التي توجد فيها أوقاف كبيرة للمسلمين بأنواع مختلفة في صورة المساجد والمدارس والزوايا والمقابر والخانات وغيرها، فتقع مسؤولية الحفاظ على الأوقاف على من بقي من المسلمين في تلك المناطق، وهيئة الوقف مسؤولة عن القيام بالحفاظ على الأوقاف في منطقة أصبحت خالية من السكان المسلمين كلياً، وينبغي للسكان المسلمين المقيمين قرب تلك المنطقة أن يحاولوا الحفاظ على تلك الأوقاف.
سابعاً: أوقاف غير المساجد التي هي واقعة في مناطق لا يوجد السكان المسلمون فيها إلى حد بعيد، ويستحيل إحياؤها واستخدامها حسب أهداف الواقفين ويخشى وقوعها تحت الاحتلال، يجوز بيع هذه الأوقاف وإنشاء أوقاف مثلها في أماكن أخرى بالشروط التالية:
( أ ) أن يتم التأكد من عدم تواجد السكان المسلمين في تلك المناطق تماماً وعدم توقع إقامة المسلمين هناك في المستقبل القريب.
(ب) أن يتم بيع ممتلكات الوقف بثمن مناسب تراعى فيه القيمة السوقية، فلا ينبغي بيعها بقيمة يعتبرها خبراء القيمة غير لائقة بها.
(ج) أن لا يبيعها متولي الوقف أو المسؤول الحكومي عنه لأقربائهما أو لأشخاص ترتبط مصالحهما بهم، وكذلك ينبغي أن لا يبيعا لشخص يجب عليهما دفع الديون أو القروض إليه.
(د) أن يتم بيع ممتلكات الوقف بالممتلكات دون النقود، وإذا وجدت مشكلة قانونية أو عملية في هذا الوضع وتم البيع بالنقد، فينبغي التعجيل في إنشاء وقف بديل بذلك النقد.
(هـ) أن يسمح باستبدال الوقف أو بيعه بعد التأكد من تحقق شروط الاستبدال، ويتم ذلك عن طريق قاضي الشريعة أو لجنة الأوقاف التي تشتمل على العلماء الأتقياء والمسلمين الملتزمين من أصحاب الاختصاص في القانون، فلا تكفي موافقة هيئة الوقف أو مسؤول حكومي عن الوقف على بيع أو استبدال الأوقاف، وموافقة محكمة الوقف تعتبر شرعاً شريطة أن تستطلع آراء ثلاثة من المفتين المعتمدين واستشارتهم وتقرر حسب مشورتهم[1].
ثامناً: ( أ ) ينبغي أن تصرف موارد الأوقاف الخربة في المصارف المذكورة في وثيقة الوقف وفق شرائط الواقف، وإذا لم توجد تلك المصارف فتصرف في مصارف مماثلة لها، ولا يجوز صرف الموارد بدون مراعاة غرض الواقف.
(ب) إذا مست الحاجة إلى بيع الأوقاف الخربة وجب إنشاء وقف بديل لها.
تاسعاً: الأراضي التي تزيد عن حاجيات المسجد حالياً ولا يرجى الاحتياج إليها في المستقبل، يجوز فيها إقامة المدارس للتعليم الديني في الأحوال الآتية:
( أ ) إذا خرب المسجد ويتوقع أن تعمير المدرسة سيؤدي إلى إحياء المسجد.
(ب) إذا احتمل احتمالاً قوياً وقوع الاحتلال للأراضي الزائدة الموقوفة للمسجد ويتوقع أن تأسيس مدرسة دينية يسد باب الخطر.
(ج)إذا لم توجد مدرسة دينية للأطفال المسلمين في المنطقة التي يقع فيها ذلك المسجد، ولا يوجد نظام مستقل لإقامة مدرسة دينية هناك، ففي هذا الوضع يمكن إنشاء مدرسة دينية في الأراضي الزائدة، وينبغي الاستئذان لذلك من متولي المسجد أو لجنته، والأفضل أن تقوم لجنة المسجد نفسها على أمر هذه المدرسة.
عاشراً:الأراضي الموقوفة على المساجد التي هدفها توفير الدخل للمساجد، يمكن استخدامها لإقامة المعاهد للتعليم العصري أو الفني بأجرة مناسبة ولكن ينبغي أن يتم هذا العقد بحيث يبقى عليها ملك المسجد.
حادي عشر:إن المساجد التي مواردها أكثر بكثير من نفقاتها وهي لا تزال تتضخم في رأس مال كبير، ولا يرجى احتياج المساجد إلى هذه الموارد الزائدة في المستقبل القريب، ينبغي صرف هذه الموارد الزائدة في بناء المساجد أو إعانة المساجد المحتاجة، وذلك لأن كثيراً من المناطق في الهند تخلو حتى الآن من مسجد ومدرسة دينية حيث يحرم المسلمون الاستماع إلى صوت الأذان، فينبغي إنشاء المساجد في تلك المناطق بالموارد الزائدة للمساجد الغنية.
ثاني عشر:من نفقات المساجد الهامة لموارد الأراضي والممتلكات الموقوفة عليها نفقة الأئمة والمؤذنين، ونظراً إلى أن رواتب الأئمة والمؤذنين تكون قليلة جداً في أكثر الأحيان مع السعة في موارد المسجد، فهي لا تكفي لسدّ حاجاتهم، توصي الندوة أن يقدم المتولون ومسؤولو المساجد رواتب لائقة وأفضل إلى أئمة المساجد ومؤذنيها وخدامها تكريماً لهم واعتباراً لرواتبهم من أهم نفقات المساجد.
ثالث عشر: الموارد الزائدة للأوقاف الأخرى التي لا تحتاج إليها الأوقاف حالياً ولا يتوقع الاحتياج إليها في المستقبل القريب، والحفاظ عليها قد يصبح مشكلة كبيرة للمتولين، لأنه يخاف عليها السلب والنهب أو التدخل من قبل الحكومة أو من قبل أشخاص خائنين، ينبغي أن تنفق هذه الموارد الزائدة في مصارف الأوقاف المماثلة لها مثل صرف موارد المدرسة في مدرسة أخرى وصرف موارد الخانات في خانات أخرى .
رابع عشر:إذا كان ريع الوقف وافياً فلا يستحب بيعه لمجرد الحصول على دخل أكثر، لأن في ذلك خوف ضياع الوقف الأول، إلا إذا كان الدخل للوقف قليلاً ولا يكفي لنفقات ضرورية لممتلكات الوقف حتى إنه يضطر القائمون عليها إلى أخذ القروض، ولا توجد أي صورة لزيادة موارد الممتلكات الموقوفة، ففي هذا الوضع لا حرج في شراء الممتلكات الأكثر نفعاً ببيع الممتلكات الموقوفة مراعاة لشروط مذكورة في بنود: (ب، د، هـ) ضمن المادة السابعة من القرار:41. ولابد أن يُستأذن الواقف إذا كان حياً.
خامس عشر: الأوقاف التي تتعرض مبانيها لوضع خطير، وليس لدى هيئة الوقف رأس مال لتعميرها ولا يتوقع حصوله في المستقبل القريب، ففي هذا الوضع يجوز لمتولي هذه الأوقاف إجراء عقد الاتفاقية مع البنّاء لتعمير المبنى الجديد بشرط أن يكون ذلك المبنى أو جزء منه موجوداً لديه على أجرة إلى مدة معينة، وهكذا يحصل البنّاء على ربح الاستثمار، ولكن لا يصح أن يشترط البناء بأن يعود إلى ملكه طابق أو طابقان من مبنى ذي طوابق عديدة.
سادس عشر: إذا لم توجد وسيلة لبناء حدود حول المقابر للحفاظ عليها جاز أن تبنى الدكاكين في أنحائها، ولكن ينبغي أن يكون السبيل إلى الدكاكين من خارج المقابر، ويجوز بناء هذه الدكاكين بأموال الأجرة المدفوعة مقدماً، ويصرف الدخل الحاصل من الدكاكين في الحفاظ على المقابر وحاجياتها، ولكن لابد من القيام بالحفاظ على المقابر التي توجد علاماتها عند بناء الدكاكين.
سابع عشر:هذه الندوة توصي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بالهند القاضي مجاهد الإسلام القاسمي بتشكيل لجنة تمثل مجمع الفقه الإسلامي (الهند) بصدد وضع مشروع وتقديمه لإجراء تعديلات ضرورية في قانون الوقف ومقترحات مفيدة أخرى إلى اللجنة البرلمانية التي ألفتها حكومة الهند لأوقاف المسلمين.
1. وهنا لابد من الإيضاح بأن الدكان أو المنـزل أو الأرض أو الممتلكات التي يتم شراؤها بعد بيع الدكان أو المنـزل أو الأرض أو الممتلكات الموقوفة، هي أيضاً تكون موقوفة للأهداف السابقة.