مال و أعمال

نظام العشر والخراج في الإسلام وحكم أراضي الهند وباكستان

قرار رقم 1 الندوة الفقهية السادسة 1994

المحور الأول

الأراضي العشرية والخراجية:

إن الشرع الإسلامي أوجب الزكاة في الأموال النامية، حقاً للفقراء، ومنها المحاصيل الزراعية، وذلك يسمى بالعشر، وقسم الفقهاء – في ضوء الكتاب والسنة وتعامل أهل القرون المشهود لها بالخير- الأراضي إلى نوعين.

1- الأراضى العشرية، وهي مايلي:

( أ )       الأراضي التي أسلم أهلها طوعاً قبل الغزو الإسلامي.

(ب)     الأراضي التي فتحها المسلمون ثم قسمت بينهم.

(ج)      الأراضي التي أقطعتها الحكومة المسلمة للمسلمين.

(د)       أرض  العرب كلها التي حددها الفقهاء في كتبهم.

(هـ) أراضي المسلمين السكنية التي تم اتخاذها مزارع، وكان ما يجاورها من الأراضي عشرية.

(و)        أرض موات في دار الإسلام أحياها مسلم ، وكان ما يجاورها من الأراضي عشرية.

2- الأراضي الخراجية، وهي ما يلي:

( أ )         الأراضي التي فتحها المسلمون ثم تركت بأيدي أهلها غير المسلمين.

(ب)       الأراضي التي صالح أهلُها المسلمين وتركت الأراضي بأيدي أهلها.

(ج)       أراضي المسلمين التي دخلت في ملك الكافر ثم حصل عليها المسلمون.

(د)         الأراضي التي أقطعتها الحكومة المسلمة غير المسلمين.

    والأصل أن الشرع أوجب العشرَ على أراضي المسلمين، والخراجَ على أراضي الكفار، وفي العشر معنى العبادة أساساً، وهو نوع من الزكاة، ولذلك يكون العشر في حق المسلمين، وبما أن إسقاط العشر هو إسقاط العبادة، لذا فإن من الأحوط إبقاء حكم العشر على المسلمين، انطلاقاً من هذا المبدأ الأساسي والمتفق عليه، ونظراً إلى النظام السياسي الراهن للهند، توصلت الندوة في تحديد الموقع الشرعي لأراضي الهند إلى ما يلي:

أولاً:            خطأً القول بعدم وجوب العشر والخراج في أراضي المسلمين الزراعية في الهند.

ثانياً:           أراضي الهند تكون عشرية في الصور التالية بإجماع المشاركين:

( أ )       الأراضي التي أقطعتها الحكومة المسلمة المسلمين، وهي ما يتوارثها المسلمون.

(ب)     الأراضي التي أسلم أهلها طوعاً قبل قيام الحكومة المسلمة، ومنذ ذلك الوقت لا تزال توجد هذه الأراضي عند المسلمين.

(ج)      الأراضي التي توجد عند المسلمين منذ زمن طويل، ولا يثبت كونها خراجية تاريخياً.

(د)       الأراضي الزراعية أو أراضي الموات التي منحتها الحكومة الهندية المسلمين، وعند بعض العلماء تكون هذه الأراضي خراجية.

ثالثاً:           وتباينت آراء العلماء في الأراضي التي حصل عليها المسلمون من غير المسلمين أو من الحكومة غير المسلمة ، فذهب بعضهم إلى أن جميع أراضي المسلمين في الهند عشرية، وذهب البعض الآخر إلى وجوب الخراج في هذه الصورة. ولكنهم اتفقوا على أن الأحوط هو أداء العشر على جميع أراضي المسلمين

المحور الثاني

طريقة أداء الخراج و خصم ضريبة الحكومة من الخراج:

وتفصيل قرارات الندوة بهذا الخصوص ما يلي:

أولاً:          رأى بعض العلماء وجوب الخراج على المسلمين في أراضيهم الخراجية، لأنه حق شرعي يلزم  أداؤه، وما تأخذه الحكومة من الضرائب على الأرض لا يغني عن الخراج الشرعي، بل يجب على المسلمين أن يؤدوا الخراج بأنفسهم في أراضيهم الخراجية وينفقوه في مصارف الخراج.

                 ورأى البعض الآخر جواز خصم الخراج الواجب أداؤه مما تأخذه الحكومة من الضرائب، ثم تصرف الأجزاء المتبقية من الخراج في مصارفه.

ثانياً:        وحول سؤال: هل الواجب على الأراضي الخراجية في الهند خراج مقاسمة أم خراج وظيفة؟

                 انقسم العلماء إلى اتجاهين: الاتجاه الأول يوجب خراج المقاسمة على جميع الأراضي الخراجية، وذلك نظراً إلى سهولة الأداء والحساب فيها.

                 ولكن معظم القائلين بوجوب الخراج ذهبوا إلى أن الأراضي التي يثبت تاريخياً تنفيذ خراج مقاسمة عليها عند الفتح الإسلامي مثل مناطق “غُوْجَرَاتْ” وَ “رَاجْبُوْتَانَةْ”، يبقى عليها خراج المقاسمة، وجميع الأراضي الخراجية سواها يجب عليها خراج وظيفة.

ثالثاً:        ذهب معظم القائلين بوجوب الخراج اعتباراً بالتوظيف العمري إلى وجوب درهم  واحد نقداً أوصاع واحد منتوجاً في كل جريب من الأراضي الخراجية ذات المحاصيل العامة مثل الأجناس الغذائية والقطن ، وخمسة دراهم أو ثمنها على كل جريب واحد في أراضي الخضراوات، وعشرة دراهم فضة أو ثمنها في كل جريب واحد في البستان المتصل بأشجار العنب أو النخل.

المحور الثالث

العشر على المحاصيل الأرضية والأشجار والخضراوات:

وقد قرَّرت الندوة بهذا الخصوص ما يلي:

العشر فريضة مثل الزكاة، و هو يتعلق بالمحاصيل الزراعية الأرضية، وقد أمر المسلمون بأداء الزكاة من طيبات مكاسبهم وأداء العشر من محاصيل أراضيهم في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267].

وحول مسألة: هل العشر يجب على كل ما تخرجه الأرض أو هناك أشياء مستثناة من وجوب العشر؟ توصلت الندوة في ضوء دلائل الكتاب والسنة العامة وبحوث العلماء وآرائهم إلى ما يلي:

أولاً:               يجب العشر على الأعشاب وثمر الأشجار وعلى كل ما تخرجه الأرض، إذا كان القصد من زرعه إنماء الأرض وكسب المنافع، فيجب العشر على جميع الأشياء الغذائية والفواكه والثمار والأزهار، ولا يجب العشر على الأعشاب والأشجار النابتة طبيعياً إذا لم يكن القصد منها الانتفاع.

ثانياً:        ويجب العشر في الأشجار التي لا تقصد بها الثمار، بل تستخدم في الأثاث والمباني والإيقاد مثل الصنوبر والساج والساسم، إذا اختصت الأراضي بمثل هذه الأشجار التي يكون القصد منها الانتفاع، ويخرج منها العشر حين قطعها بعد اكتمالها مهما طالت المدة في اكتمال هذه الأشجار.

ثالثاً:           يجب العشر على الخضراوات التي يتم زرعها في الأراضي العشرية و يكون القصد منها بيعها، ولا يجب العشر على الخضراوات في الأراضي المعطَّلة المجاورة للمنازل وعلى سقف البيوت.

المحور الرابع

العشر في صورة المزارعة:

ناقش العلماء المشاركون قضية وجوب العشر على محاصيل الأراضي التي تتم زراعتها مزارعةً بين الشخصين، وبعد دراسة البحوث الواردة بهذا الصدد قرَّروا ما يلي:

أولاً:            إذا كان رب الأرض والمزارع كلاهما مسلمين فيجب العشر على كل منهما بقدر نصيبه.

ثانياً:           إذا كان رب الأرض مسلماً والمزارع غير مسلم فيجب العشر على رب الأرض المسلم بقدر حصته.

المحور الخامس

النصاب و خصم المصاريف من وجوب العشر:

     قرَّرت الندوة بعد دراسة جوانب قضية خصم المصاريف المترتبة في الطريقة الجديدة للزراعة، من محاصيل الأرض قبل إيجاب العشر عليها، ما يلي:

أولاً:           إن العشر ونصف العشر من المقادير المنصوصة في الشرع، وقد فرَّق الشرع في المقدار الواجب بناءً على فرق مصاريف السقي في الزراعة، ولم يعتبر بالمصاريف الأخرى في تبديل المقدار، ولا مساغ للعقل أو القياس في مقدار الشرع كما لا يجوز لأحد تبديله.

                   هذا، وفي جانب آخر، فإن كثرة المصاريف المترتبة على الطريقة الجديدة للزراعة أدت إلى كثرة وازدياد المحاصيل أيضاً، ونظراً إلى ذلك تقرر الندوة أن المصاريف المترتبة على الأسمدة والأدوية و غيرها في الطريقة الجديدة للزراعة لا يجوز خصمها من المحاصيل.

ثانياً:          في رأي الإمام أبي حنيفة وبعض الفقهاء الآخرين، يجب العشر على كل ما تخرجه الأرض قليله وكثيره، لا على نصاب معين منه، أما عند أبي يوسف ومحمد والجمهور فلا يجب العشر إلا إذا بلغ المحصول خمسة أوسق، استدلالاً بالحديث: “ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة”.

                   ترى الندوة أن الفلاحين الفقراء أو الذين تجتاحهم كوارث سماوية يجدون حرجاً كبيراً عند ما يجب العشر بدون شرط النصاب، ففي مثل هذه الحالات إذا كانت جميع محاصيل الأرض أقل من خمسة أوسق، جاز للفلاحين المحتاجين أن لا يؤدوا العشر عملاً بقول الصاحبين والجمهور من الفقهاء.

المحور السادس

العشر في تربية الأسماك وزراعة الإبريسم والمنتجات المائية:

توصلت الندوة بعد دراسة هذا الموضوع والنقاش حوله إلى ما يلي:

أولاً:            المنتجات التي تتم زراعتها في الماء مثل (مكهانه، سنكهارا في الهند)، هي من المحاصيل الأرضية ويكون فيها استغلال الأرض، ولأجل ذلك يجب عليها العشر.

ثانياً:           تتم تربية الأسماك في البرك، وهي ليست من محاصيل الأرض، بل هي من عروض التجارة، ولذلك لا يجب عليها العشر بل يجري عليها حكم زكاة عروض التجارة.

ثالثاً:          إذا كانت زراعة الأشجار العنبية (Blue Berry) بقصد الإبريسَم، وتستخدم أوراقها في تغذية دود القز، فترى الندوة أن الأراضي التي يتم الانتفاع بها عن طريق أوراق العنبية يجب العشر على الأوراق في هذه الأراضي، بينما يرى بعض العلماء أنه لا يجب العشر على الأوراق، أما الإبريسم الحاصل منها فيجري عليه حكم عروض التجارة بشرائطه.

المحور السابع

العشر على أراضي الوقف وعلى ما ينبت داخل المنازل وسقوفها:

قرَّرت الندوة بهذا الخصوص ما يلي:

أولاً:          يلزم  لوجوب العشر أن تكون الأرض عشرية، وبما أن أرض المنازل ليست عشرية ولا خراجية، لذلك لا يجب العشر على الخضراوات والثمار التي تنبت داخل البيوت وعلى سقوفها وفي الأراضي المعطلة المجاورة للبيوت.

ثانياً:         ليس ملك الأرض شرطاً لوجوب العشر، ولذلك يجب العشر في زرع الأراضي المستأجرة، والعشر يجب في الخارج لا في الأرض، ولأجل ذلك يجب العشر في أراضي الوقف – أي في زرعها – سواء كان الوقف عاماً أو كان وقفاً على الأولاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى