مال و أعمال

توصية الندوة بخصوص المصرفية الإسلامية

قرار رقم 1 الندوة الفقهية الثالثة 1990

إن البنك يمثل مكانة أساسية في النظام المالي والاقتصادي في العصر الراهن، فيه تودع الأموال، وعن طريقه تتضاعف الثروات وتتكاثر الإنتاجات الوطنية، وإلى جانب ذلك تقوم المؤسسات المصرفية بخدمات عديدة لازمة في مجالات التجارة والصناعة والزراعة، وإن الجهود الاقتصادية والاستثمارية للمسلمين في الهند بأمس حاجة إلى هذه البنوك، ولكن نظام البنوك كله يقوم على أساس الربا الذي حرمته شريعة الله الحكيمة تحريماً باتاً.

من البديهيات التي لا تنكر أن النظام الربوي يقوم على أساس غير عادل، والعقود القائمة على أساس الربا تقرر لصاحب رأس المال مبلغاً من الفائدة على كل حال، بينما تجعل منافع العامل (Enterpreneur) تابعة للربح والخسارة في الجهود الاقتصادية وجوداً وعدماً، وهذا عقد فاسد في الإسلام لما فيه من الظلم والعدوان، وأيضاً فإن الربا قد أصبح عاملاً فاعلاً  لارتكاز الثروة  (Concentration Of Wealth) ونتيجة لذلك أصبحت لثروة الديون (Loan Capital) في المجتمع سيطرة قوية وقاهرة يشعر بها أولو الألباب جميعاً.

هذا بيان إجمالي لمضار الربا، ولا يمكن في هذه العجالة الاستقصاء والإحاطة بما يتضمن النظام الربوي من المفاسد والمضار والنتائج الظالمة، وإن الشريعة العادلة لأحكم الحاكمين لا تنكر أهمية جهود الإنسان الاقتصادية بل إنها تعتبرها “ابتغاء فضل الله”، إنها تتوخى إقامة مجتمع بشري بصفة عامة، وبصفة خاصة تدعو إلى نظام اقتصادي يسوده العدل والرحمة والأمانة والنصفة، وتسعى كذلك لتشريع أحكام  ومبادىء وقيم صالحة لأن يؤسس عليها نظام سليم عادل للاقتصاد، ولم يحرم الربا في الإسلام إلا لتحقيق هذه الغاية الكريمة، وهي بناء نظامه الاقتصادي على معاني سامية وغايات رفيعة من العدل والإخاء والمساواة والرحمة بالناس والإحسان إليهم، لا على التنافس البغيض والمسابقة الظالمة.

من أجل ذلك يتحتم على مسلمي الهند أن يكرسوا جهودهم الاقتصادية على هذه الأسس، لتقوم حياتهم الاقتصادية والاجتماعية على أسس متينة ثابتة، ويكون مسلمو الهند دعاة إلى نظام العدل والمساواة لأبناء وطنهم بهذا النظام الاقتصادي العادل.

إن الأصول والمبادىء التي تقررها الشريعة الغراء لإقامة النظام المصرفي اللاربوي تقدم حلولاً عادلة لمشكلات العصر الراهن، بل نوقن بأن ذلك أحسن من النظم المصرفية الموجودة في العالم اليوم، وبإقامة هذا النظام المصرفي اللاربوي تتحسن أوضاع المسلمين الاقتصادية ويقوم مجتمع عادل بلدنا في أمس الحاجة إليه.

بالنظر إلى هذه المنطلقات ترى الندوة أنه يمكن إيجاد نظام العمل المصرفي الناجع والجدير بالعمل على أسس المضاربة  (Equity Participation) والمشاركة  (Partnership) والمرابحة (Mark up Pricing) الذي يكون رسالة للبلاد ونموذجاً ومثالاً يحتذى، وترى الندوة ضرورة بذل مجهودات جبارة ومساعي متواصلة في سبيل تطبيق هذا النظام حتى يمكن التغلب على مشكلات العصر الراهن المتعددة ووسائل الاستثمار المتنوعة، والمعاملات المالية المختلفة.

وعند تحديد ملامح مشروع نظام الإسلام المصرفي وتنفيذ هذا المشروع لابد من ملاحظة التوجيهات التالية:

أولاً:          إن الإسلام يحرم كل نوع من العقود الربوية.

ثانياً:         الإسلام يعتبر العدل شرطاً لازماً للمتعاقدين في العقود الاقتصادية، ومقتضى هذا الأصل أن يراعى العدل مع كلٍّ من صاحب المال والعامل، يشترك صاحب المال في المنافع ويضمن الخسارة في الأموال كلياً، والعامل (المستقرض) يكون شريكاً في المنافع، وفي حالة الخسارة يحرم أجرة عمله.

ثالثاً:         يعتبر الثمن وسيلة لا مقصوداً بذاته،كما هو الحال في البضائع اللازمة وأسباب الراحة والدعة.

رابعاً:        ينبغي أن يعتبر المال أمانة لله جل وعلا، ويستخدم في حاجات الناس الحقيقية وفيما يرفع مستواهم الاقتصادي، لا كما يعتبر في الأنظمة المصرفية اليوم حيث يجعله البنك  وصاحب المال ذريعة لتضاعف الأموال.

خامساً:    ينبغي أن يكون توزيع الأموال بطريقة يتقوى بها الأساس الاقتصادي للطبقة المتخلفة اقتصادياً، ويقل التوزيع غير العادل للثروة، فيلزم البنوك الإسلامية عند توزيع الأموال أن ترجح “الضروريات” على “التحسينيات” و”الكماليات” كما يلزمها لدى تحديد قدر المنافع تشجيع المسلمين المتخلفين والضعفاء اقتصادياً.

سادساً: يجب تفادي جميع طرق التمويل والاستثمار التي هي بالرغم من كونها سائدة في السوق اليوم، مظاهر للخيانة والغش وكتمان الحقيقة.

سابعاً:      ويجب كذلك الالتزام بهذه التوجيهات الأساسية لنظام الإسلام الاقتصادي والاجتماعي مع مراعاة القيم العملية للصدق والأمانة ورعاية المقاصد العامة والروح الخلقية، حتى لا تبقى هذه الجهود مجرد ممارسة ميكانيكية، بل يجب أن تجسد في الواقع نظام الرحمة والإخاء والتعاون في مقابل نظام النهب والسلب وأهواء النفس.

وتحقيقاً لهذه الغاية قررت الندوة تشكيل لجنة من العلماء وأهل الاختصاص تقوم باقتراح نظام مالي للمسلمين وفقاً لتوجيهات الشريعة ومبادئها العامة في ظروف الهند ومشكلات المسلمين الراهنة، ليأتي هذا النظام ممثِّلاً للقيم المرضية لديهم، ومحققاً لأمانيهم، وحلاً لمشكلاتهم الاقتصادية الحقيقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى