النكاح

الكفاءة في النكاح

قرار رقم 1 الندوة الفقهية الحادية عشرة 1999

  إن الإسلام قد اعتبر جميع البشر سواء، وهو لا يفرق بين إنسان وإنسان، ويكرم الإنسان من حيث إنه إنسان على طريقة سواء، وقد قال الله جل وعلا: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات: 13)، لذا يُستنكر من وجهة نظر الإسلام التقسيم الطبقي للإنسان واعتباره عالياً أو سافلاً على أساس فوارق الكون والسلالة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} (سورة الإسراء: 70).

نظراً إلى هذه التوجيهات الإسلامية بصدد التكرم الإنساني قرَّرت الندوة ما يلي:

أولاً:إن الإسلام قد قدَّم نظرية الأخوّة الإسلامية بكلمات صريحة وواضحة. قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة ، فأصلحوا بين أخويكم} (سورة الحجرات: 10). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً” (أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه)، وقال صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم..الخ” (أخرجه مسلم عن النعمان بن بشير، كتاب البر والصلة والآداب).

  ولذلك كان كل مسلم أخاً لأي مسلم آخر، وتحقير الإنسان لأخيه الإنسان والتفاخر عليه على أساس النسب والأسرة واللغة يعارضان التوجيهات الإسلامية معارضة صريحة.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يحلّ لمسلم أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”.

ثانياً:عن طريق النكاح يتعاقد فردان أجنبيان – وهما الزوج والزوجة – على المصاحبة والعشرة بينهما طول الحياة، ويكون كل واحد سراً وستراً وسكينة للآخر.

  قال الله تعالى: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ} (سورة البقرة: 187) وقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة} (سورة الروم: 21).

  ويعتبر الإسلام النكاح أحكم عقد وأمتنه، ولذا فإنه يوجه توجيهات تتحقّق بالعمل بها مقاصد النكاح ويحيا بها كل من الرجل والمرأة حياة طيبة إلى آخر لحظة من حياتهما.

ثالثاً: وليست حقيقة الكفاءة إلا المماثلة والمساواة بين الرجل والمرأة، وفي حالة وجود التوافق والانسجام  بين الزوجين في الفكر والاجتماع وأسلوب الحياة والديانة وما إلى ذلك، وفي ظل هذه المساواة يحيا الرجل والمرأة حياة هنيئة، ويكون النكاح محكماً، أما النكاح الذي يتم مع غير الكفء ففي أغلب الأحوال لا يأتي بثمرة، وتأثيراته السيئة لا تؤثر على الشخصين فقط بل تتجاوز إلى بيتيهما وأسرتيهما، ونظراً إلى هذه الحاجة قد اعتبر الإسلام الكفاءة في أحكام النكاح.

رابعاً: النكاح الذي يتم بين الرجل والمرأة المسلمين البالغين العاقلين بالتراضي معتبر شرعاً، والكفاءة تؤثر في لزوم عقد النكاح لا في صحة النكاح وانعقاده.

خامساً: يكرَّم الشخص – كائناً من كان – بعد أن يعتنق الإسلام ويصبح فرداً مكرَّماً من قبل المجتمع، ويحظى بالحقوق والإكرام مثل ما يحظى بها المسلم قديم الإسلام الذي ورث الإسلام عن أبيه وجده، وإذا أنكحت البنت المسلمة للمسلم الحديث العهد بالإسلام فهذا العمل يوجب الثواب فضلاً عن كون هذا النكاح جائزاً.

سادساً:ينبغي أن يكون الزوج كفء اً – أي: مساوياً – للزوجة، ولا يشترط في الزوجة أن تكون كفء اً للرجل. وبناء على هذا فإن الرجل إن تزوج من هي دونه جاز النكاح ولزم، وليس لأولياء الرجل أن يعترضوا عليه.

سابعاً:ولو نكحت المرأة مع غير الكفء على غير إذن من وليها فينعقد هذا النكاح شرعاً، ولكن يحق لأوليائها أن يرافعوا القضية إلى القاضي ليجمع بينهما إن كان الزوج كفء اً للمرأة أو يفرق.

ثامناً:ولو لم يذكر الرجل أو أولياؤه الحقائق عند النكاح وكذبوا في ذكر نسبهم وأسرتهم أو في أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، وظهر بعد ذلك كذبهم وخداعهم فينعقد النكاح، ولكن للمرأة أو لأوليائها أن يرافعوا القضية إلى القاضي.

تاسعاً: يلزم اعتبار الديانة في مسألة الكفاءة، أما الأمور الأخرى فهي تتعلق بالعرف والعادة والأحوال الاجتماعية، ولذا لا يمكن أن يتم تحديد وتعيين أمور الكفاءة بطريق معين وموحَّد للدول والأمم كلها وللعالم كله، بل يقوم علماء وفقهاء كل دولة ومنطقة بتحديد أمور الكفاءة نظراً إلى عرف وعادة وظروف منطقتهم الاجتماعية الخاصة، دون أن تربط الكفاءة بالعز والذل والشرف والرذالة في ما بين الناس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى