بشأن النظام العالمي الجديد والعولمة والتكتلات الإقليمية وأثرها
قرار رقم: 8 الدورة الرابعة عشرة 2003
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ( دولة قطر ) من 8 إلى 13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11 – 16 كانون الثاني (يناير) 2003م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع النظام العالمي الجديد والعولمة والتكتلات الإقليمية وأثرها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
انتهى إلى ما يلي:
أولاً: المقصود بالعولمة والنظام العالمي الجديد:
العولمة تعني في شكلها ومظاهرها سهوله الانتقال في السلع والأفكار ورفع الحواجز بين الشعوب والأمم، بحيث أصبح العالم أشبه ما يكون بقرية كونية صغيرة، وذلك نتيجة التقدم التكنولوجي المعاصر، وما تم ابتكاره من صيغ للتعامل الدولي منها: التكتلات الإقليمة الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، والشركات العابرة للقارات. وقد رافق ذلك استغلال القوى الكبرى ومؤثرات الحضارة الغربية المعاصرة لهذه الإمكانات المتاحة لمصالحها، مما مكنها من السيطرة والهيمنة على كثير من مجالات الحياة الإنسانية، بل أخذت هذه القوى تعمل على قيادة عمليات التقدم التكنولوجي لإيجاد المزيد من الآليات والصيغ التي تمكنها من زيادة قدراتها من ناحية، وزيادة سيطرتها وهيمنتها على آفاق الحياة الإنسانية من ناحية أخرى.
وقد ارتبط بذلك ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يقوم على المنظمات الدولية والمؤتمرات العالمية التي أخذت تتصدى لمختلف القضايا التربوية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية والبيئية بنظر يحرص على مصالح القوى الكبرى ويدفع لتعميم مفاهيم الحضارة المادية الغربية المعاصرة.
والعولمة بهذه الصورة تمثل تحدياً صارخاً للأمة الإسلامية بما تحمله من رسالة إلهية، وما أقامته من حضارة إنسانية راشدة، حققت خير الإنسان وسعادته في كل آفاق الحياة. مما يحمل علماء الأمة وساساتها ومفكريها وقادتها، في ميادين الحياة السياسية والثقافية والتربوية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، مسؤوليات كبيرة لتحقيق نهضة إسلامية شاملة تدفع الأمة إلى آفاق الازدهار والتقدم.
ويتجلى ذلك في مجالين:
الأول: تحصين أجيال الأمة ومختلف أبنائها في وجه التحديات التي تفرضها ممارسات العولمة المعاصرة الواقعة تحت التأثير الغربي، مما يتطلب جهوداً كبيرة لبناء الشخصية الإسلامية المعاصرة القادرة على مواجهة التحديات عن وعى وبصيرة وعلى أساس من الفهم العميق للإسلام بوسطية واعتدال وتوازن، بحيث تجمع بين العلم والإيمان، وبين الأصالة والمعاصرة، وبين التمسك بالثوابت والانفتاح على إنجازات العصر. وهذا يوجب العناية البالغة بمناهج التربية والتعليم وبخاصة تقوية المواد الدينية، ورفض أي تدخل فيها من القوى الخارجية.
الثاني: الإمساك بزمام المبادرة في التعامل مع أدوات العولمة وآلياتها وفق خطط شمولية واعية تخاطب المجتمعات الإنسانية المعاصرة، بالطريقة التي تفهم واللغة التي تدرك بعيداً عن الارتجال والسطحية، أو التنظير المحدود القاصر، بما يشمل مجالات الفكر والثقافة والإعلام، ويهدف إلى تحقيق الممارسات الإبداعية والإنجازات العلمية والاقتصادية التنموية التي تؤمن الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع.
ويوصي المجمع في إطار الخطط الشمولية المشار إليها، ومن منطلق أن الإسلام دين عالمي جاء لخير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة وهو خاتمة الأديان، الذي لا يقبل من أحد دين سواه بما يأتي:
1. التعريف بعالمية الإسلام وما يقدمه من حلول لمشكلات البشرية وفق منهج علمي موضوعي يستخدم كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك.
2. تقوية منظمة المؤتمر الإسلامي والمؤسسات التابعة لها وسائر المؤسسات الإسلامية الدولية، وتفعيل دورها بهدف تعميق التكتل الدولي الإسلامي وبخاصة في المجال الاقتصادي.
3. ضرورة العمل الجاد على إقامة الاسواق الإسلامية المشتركة وتشجيع المشروعات والاستثمارات الاقتصادية المشتركة بين الدول العربية والإسلامية.
4. العمل على إعادة صياغة العلاقة بين العالم الإسلامي والنظام الدولي الجديد بما يؤكد استقلالية الدول الإسلامية واحترام سيادتها وخصوصياتها، بهدف المحافظة على الهوية الإسلامية لشعوبها.
5. العمل على الرقي بالقدرات العلمية والتكنولوجية في البلاد الإسلامية، والسعي الجاد لتوطين التكنولوجيا المعاصرة فيها.
6. العمل على تقوية العلاقات بين الشعوب الإسلامية، وتحقيق وحدة الصف الإسلامي في مواجهة سائر التحديات.
7. التأكيد على عنصري الأصالة والمعاصرة في الخطاب الإسلامي، وتطوير أدواته بما يحقق توعية راشدة لأبناء المسلمين، ويقدم المواقف الإسلامية إلى المجتمع الإنساني على أساس رسالة هذا الدين في تحقيق خير الإنسانية وتقدمها، بعيداً عن الغلو والتطرف من ناحية، والتفريط والتحلل من ناحية أخرى.
8. العمل على ترسيخ مفاهيم الاجتهاد في مؤسسات التعليم الشرعي في الجامعات والكليات والمعاهد، وفي مجالس الإفتاء والمجامع الفقهية، لتكون الأمة قادرة على مواجهة القضايا الحادثة والمشكلات المستجدة، بنظرً فقهي عميق وشامل يقدم الحلول القادرة والمعالجات الناجعة.
9. الاستفادة مما تتيحه وسائل الاتصال المعاصرة وآلياتها في تقديم المعرفة الإسلامية الراشدة، وإبراز الصورة المشرقة لهذا الدين، وبخاصة من خلال الفضائيات وشبكة الأنترنت.
10. ضرورة التنسيق بين الدول الإسلامية والمنظمات التطوعية فيها عند المشاركة في المنظمات الدولية والمؤتمرات العالمية، لإبراز المواقف الإسلامية المتميزة، لصيانة مسيرة البشرية مما تتعرض له من أخطار وشرور.
والله أعلم