السياسة الشرعية

بشأن أحداث فلسطين وغيرها

قرار رقم: 7 الدورة الثالثة عشرة 2001

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت من 7 إلى 12 شوال 1422هـ، الموافق 22 – 27 كانون الأول (ديسمبر) 2001م، يتابع واقع الأمة الإسلامية وأحوالها العامة وواقع العالم المعاصر، ويرصد جهود العداء والاعتداء الموجهة ضد الإسلام والمسلمين الهادفة لأمرين:

         تشويه حقيقة الإسلام بالطعن في عقيدة المسلمين، والتشكيك في أحكام شريعته.

         انتهاك حرمات المسـلمين، واحتلال أراضيهم، وسفك دمائهم، والاسـتيلاء على ثروات بلادهم، وتخريب اقتصادهم.

وإن الواجب الشرعي يحمل فقهاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي مسؤولية بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بأحوال المسلمين، وألاّ يكتم علماؤه الشهادة بما علموا مما يجب إظهاره، فهذا ما أخذ الله به العهد والميثاق على أهل العلم في وجوب بيان الحقائق والحكم الشرعي وتحريم كتمانه، وتوعد على ذلك فقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(البقرة: 140). ولقد اسـتحق علماء بني إسرائيل اللعنة والطرد من رحمة الله لكتمانهم العلم، قال تعالى: )(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ)(((البقرة: 159). وقد جاء حكم هذه الآية عاماً ليشمل كل من يكتم علماً وجب إظهاره، وقال صلى الله عليه وسلم: “ما من رجل يحفظ علما فكتمه، إلا أُتى به يوم القيامة ملجما بلجام من نار” رواه ابن ماجه بسند صحيح.

كما أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقته إذا آن أوان الحاجة إليه، فإن من قضايا الأمة الملحة التي تحتاج إلى بيان وتوضيح قضية فلسطين وما يجري مجرى ذلك في بعض البلدان الإسلامية.

قرر ما يلي:

أولا:         إن أرض فلسطين أرض المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو معراج النبي  صلى الله عليه وسلم، وأرض الأنبياء هي حق للمسلمين.  وهذا الحق يقابله واجب النصرة، بكل صورها وفق الاستطاعة، مهما تخاذل المرجفون واستسلم دون الحق المستسلمون ؛ فالحجة تبقى مع الحق وأهله، وعلى الظلم وأهله.

ولقد انعقد إجماع فقهاء الأمة على حرمة إقرار العدو الغاصب على أي جزء اغتصبه من أرض المسلمين ؛ لما فيه من إقرار الغاصب المعتدي على غصبه وظلمه وتمكين العدو من البقاء على عدوانه، وأوجب الإسلام على المعتدى عليهم مقاومة ومحاربة الغاصب المحتل حتى يخرج مخذولاً.

ثانياً:         واجب الحكومات والشعوب الإسلامية العمل على أن يعيدوا الأرض الإسلامية إلى أهلها، ويصونوا المسجد الأقصى من تدنيس اليهود المحتلين الذين نصبوا العداء للإسلام وأهله منذ فجر دعوة الإسلام، وما يزالون يكيدون لهم كيداً، ولهم اليوم قوة وشوكة.

ثالثاً:         واجب جميع المسلمين، كل حسب استطاعته، أن يساندوا الشعب الفسطيني بأنفسهم وأموالهم للدفاع عن أرضه وحرماته ومقاومة الجبروت الصهيوني الذي استباح سفك الدماء، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء، وهدم المنازل مستخدماً أسلحة الحرب الفتاكة من  الصواريخ والدبابات، والمروحيات والطائرات المقاتلة، إلى جانب الحرب الاقتصادية من تخريب الأراضي الزراعية، وقلع ما فيها من أشجار، ومنع دخول المؤن إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة.

وهذه المسـاندة واجب الأمة الإسلامية كلها شعوبها وحكوماتها، فالمسلمون يد واحدة، ويسعي بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.

رابعاً:        واجب الحكومات في البلدان الإسلامية بذل كل جهد من خلال المنظمات الدولية، والعلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها، لوقف الدعم الخارجي الذي يتلقاه العدو سياسياً وعسكرياً.

خامساً:    وإن من حق الشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة على كامل أرضه وعاصمتها القدس، وأن يدافع عن نفسه ويقاوم العدو بكل الوسائل المشروعة وشرف للمسلم وغنيمة له أن يموت شهيداً في سبيل الله.

و يوصي المجمع الأمة الإسلامية حكاماً وشعوباً بالآتي:

أولاً:  الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة:

إن ما حل بالأمة الإسلامية داخليا وخارجياً من مصاعب، وأزمات، وحروب سببه الابتعاد عن العقيدة والشريعة وهي هدي الله وذكره، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)(طه: 124). وإن طول الأمد باستبعاد الشريعة الإسلامية يزيد من الفجوة بين الحكومات وشعوبها، ويزيد من الاجتهادات الخاطئة، والانحرافات الفردية والجماعية في الفكر والسلوك.

ويؤكد المجمع توصيته في الدورة السابعة بدعوة الحكومات في البلاد الإسلامية للذود عن العقيدة الإسلامية، وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب والتحذير من كل ما يؤدي إلى هدمها، والتشكيك في أصولها، ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين.

كما يؤكد المجمع ما جاء في هذه التوصية بدعوة الحكومات في البلدان الإسلامية إلى: “العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، واتخاذها منهجاً في رسم علاقاتها السياسية: المحلية والعالمية”.

ثانياً:  نصرة المسلمين:

المسلمون حيثما كانوا أمة واحدة جمعتهم عقيدة التوحيد، وربطتهم الشريعة والقبلة الواحدة، وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فإن النصرة واجبة في كل مكان إذا اعتدي عليهم، أو انتهكت أرضهم، أو نزلت بهم نازلة، قال تعالى:())وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَـاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)(التوبة: 71). وقال صلى الله عليه سلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربه فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة” (مسلم: 1830).

والنصرة إنما تكون بالنفس والمال والتأييد المعنوي والسياسي ونحوه، بما يتناسب والإمكانات والأحوال والظروف المتغيرة.

ويؤكد المجمع توصيته في دورته السابعة التي ” ناشد فيها الدول العربية والإسلامية مناصرة المسـلمين الذين يتعرضون للاضطهاد في شتى بقاع الأرض، ودعم قضاياهم، ودرء العدوان عنهم بشتى الوسائل المتاحة.

ثالثاً:  تحريم العدوان في الإسلام:

إن الإسلام يحرم الاعتداء بغير حق، ومن ذلك ترويع قلوب الأبرياء الآمنين ممن عصمت دماؤهم، فأي عدوان من هذا النوع هو إرهاب محرم.

وإن إعداد العدة والقوة لإرهـاب العدو مطلوب شـرعاً، وهو الذي ورد فيه قول الله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ)(الأنفال: 60).

ولا ريب أن مَن يدافع المغتصب لأرضه المحتل لوطنه بكل ما يمكنه من إعداد وقوة عمل مشروع وواجب، وهذا هو حال مقاومة الشعب الفلسطيني للصهاينة المحتلين المنتهكين لكل الحقوق.

وإن من الظلم والمؤسف أن بعض الدول الكبرى تكيل بمكيالين في القضية الفلسطينية، وتعتبر صاحب الحق في الأرض المدافع عن نفسه وعرضه وأرضه إرهابيا، والمعتدي الظالم المنتهك لكل القيم الإنسانية مع ما يستخدمه من أسلحة دمار، وما يستبيحه من دماء الضارب بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية هو المدافع عن نفسه المغلوب على أمره.

كما أن من الظلم وأبشع الإرهاب إلباس الإسلام اسم الإرهاب بل هو دين الاعتدال والوسطية. ومن الظلم أيضاً محاربة عدد من الجمعيات الدعوية والخيرية والمؤسسات المالية الإسلامية باسم الإرهاب دون أن يقوم دليل على ذلك.

رابعاً:  الأخلاق الإسلامية:

إن العالم اليوم في أمس الحاجة إلى أخلاق الإسلام في السلم والحرب ليسود ميزان العدالة الذي قامت عليه السماوات والأرض، ولنبذ ما يسود العالم اليوم من الظلم والاستكبار والإفساد، فإن سبب الثورات والفتن تقسيم العالم إلى طبقات واستئثار الدول الغنية بالقوة والثروة والعلم الذي أوجبه الله تعالى وأرسل به الرسل وأنزل به كتبه ليقوم الناس بالحق والقسط، قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(الحديد: 25).

خامساً:  

إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي يقدر لمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي كلمته الضافية المهمة التي ألقاها نيابة عنه معالي الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والأقليات الإسلامية التي جاء فيها: “إن دورتكم الموقرة تنعقد في ظروف بالغة الدقة والحساسية، تفاقم فيها التحدي لوجودنا أكثر من أي وقت مضى، لأن العدوان الواقع علينا اليوم يهدد أسس مصيرنا، ويضعنا في واقع كالح،  مما يحتم علينا الوقوف صفاً واحداً متراصاً عاقدين العزم على الذود عن مقدساتنا وتراثنا دولاً وشعوباً.

إنكم ترون مدى الصلف والغرور لدى العدو الصهيوني واستفحال غريزة العدوان الجنونية لديه هذا العدو الذي يضع المنطقة كلها على شفير انفجار مدمر مستمر في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني الباسل ظلماً وجوراً مستنداً في غروره وعربدته إلى ما يتمتع به من دعم أجنبي أعمى غير مشروط عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.

وإلى جانب فلسطين دار قتال شرس وحرب ضبابية الأهداف على أرض أفغانستان الإسلامية المنكوبة، اكتوى بنارها من لا ناقة له فيها ولا جمل من شيوخ ونساء وأطفال.

وعليه فإن تحصين الذات الإسلامية أمام العوامل الخارجية التي أفرزتها تطورات السياسة الدولية يدخل في صميم عملكم العلمي المتخصص، لما له من دور هام في تشكيل الرأي العام، وتأصيل الفكر وتعميق قوة الانتماء إلى الحضارة الإسلامية الأصيلة التي لا سبيل إلى اقتلاع جذورها مهما عظم عنف الضربات الموجهة إليها، ذلك أن إرشاد الإنسان عقدياً وعلمياً قضية محورية تعلو فوق كل القضايا لارتباطها بمصير الأمة ارتباطاً وثيقاً، وهي بهذا الاعتبار تعد قضية جديرة بأن تعطى ما تستحقه من عناية وإبرازها في صورة عمل جدي ومنتج، يعتبر إنجازاً حضارياً هاماً ضمن الأسس التي تقوم عليها نهضة المسلمين”.

والله الموفق ؛؛

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى