أصول الفقه

العرف والعادة

قرار رقم 4 الندوة الفقهية الثامنة 1995

إن الميزة المميزة والخصيصة الكبرى للشريعة الإسلامية هي العدل والوسطية، فليس من طبيعة الشريعة الإسلامية أن تستجيب لأي نوع من أنواع التغيرات في كل حين وآن، ولا أن تعترف بكل أمر أصبح رائجاً وسار عليه الناس حتى ولو كان مغايراً ومتناقضاً مع المصالح البشرية والقيم الخلقية، لأن ذلك ليس من مراعاة المصالح الإنسانية، بل هو استسلام وخضوع للمفاسد، والإسلام لا يسمح بذلك قطعاً، ولكن القانون المرتسم للبقاء هو النظام الذي يعيش مع الناس مشكلاتهم ويعينهم على حلها، ولتحقيق ذلك يلزمه قبول أعراف الناس وتعاملهم الاجتماعي في إطار خاص، وبناءً على ذلك بنيت كثير من أحكام الفقه الإسلامي على أعراف العصر، ويدل على اعتبار العرف الكتاب والسنة وآثار الصحابة والقياس، كما يتفق على اعتباره جميع فقهاء الإسلام.

وفي هذه الخلفية قرَّرت الندوة ما يلي:

المحور الأول

حقيقة العرف و أنواعه المختلفة:

أولاً:            العرف في اللغة: الشيء المعروف، وفي الاصطلاح الشرعي: كل ما سار عليه الناس و تعارفوه من قول أو فعل.

ثانياً:           العادة في اللغة: الأمر المتكرر، وفي الاصطلاح الشرعي: هي تكرير الفعل حتى يصير تعاطيه سهلاً كالطبع.

ثالثاً:           العرف والعادة بمعنى واحد من حيث المصداق، وإن اختلفا من حيث المفهوم.

رابعاً:          الفرق بين العرف والإجماع أن العرف يتحقق بتعارف عامة الناس، والإجماع هو عبارة عن اتفاق المجتهدين.

خامساً:      العرف نوعان: عرف قولي وعرف فعلي.

                    العرف القولي: هو أن يشيع بين الناس استعمال بعض الألفاظ أو التراكيب في معنى معين بحيث يصبح ذلك المعنى هو المفهوم المتبادر إلى أذهانهم عند الإطلاق بلا قرينة ولا علاقة عقلية.

                   والعرف العملي: هو ما اعتاده الناس من أعمال.

سادساً:      العرف القولي و العرف العملي كلاهما معتبر في أحكام الشرع، والعرف الذي يكون فاشياً في معظم مناطق المسلمين هو العرف العام، والعرف الرائج في مدينة أو ولاية أو منطقة سكانية خاصة أو في طبقة مخصوصة هو العرف الخاص.

سابعاً:        كل عرف يخالف نصاً من نصوص الشريعة أو يفوِّت مصلحة معتبرة يكون فاسداً مثل رواج الدوطة[1] أو طلب النقود في النكاح، وحرمان البنات من الإرث، والانتفاع بالأراضي المرهونة.

المحور الثاني

شروط اعتبار العرف:

يشترط لاعتبار العرف أربعة شروط:

الأول:        أن يكون العرف كلياً أو أكثرياً، ويعني ذلك شيوع العرف في المجتمع كاملاً، وسير غالبية سكان المجتمع عليه.

الثاني:        أن يكون العرف موجوداً من قبل وقوع التصرف، ويبقى باقياً عند التصرف.

الثالث:      أن لا يكون هناك تصريح من المتعاقدين بخلاف العرف.

الرابع:        أن لا يعطِّل العمل بالعرف نصاً من نصوص الشارع الصريحة القطعية أو قاعدة من القواعد الأصولية.

المحور الثالث

تعارض العرف مع الأدلة الشرعية:

أولاً:            إذا تعارض العرف العام مع نص عام بحيث لا يكون العمل بالعرف العام تركاً للنص، بل يخصص النص فقط، جاز في هذه الصورة تخصيص النص بالعرف العام .

ثانياً:           إذا كان العرف العام معارضاً للنص بحيث يلزم من اعتبار العرف العام ترك النص فلا يعتبر هذا العرف شرعاً.

ثالثاً:           النصوص المبنية على العرف قطعاً يجوز تغيير الأحكام فيها بتغير ذلك العرف ، ولكن تقرير أن حكماً شرعياً معيناً هو مبني على العرف أمر خطير للغاية ومسؤولية كبيرة، لا يستطيع القيام به إلا الفقهاء المتضلعون بعلوم الإسلام المتصفون بدقة النظر وكمال الحيطة والتقوى، وبأسلوب التفكير الجماعي.

رابعاً:          إذا تعارض العرف العام مع ما ثبت بالقياس رجح العرف العام وترك القياس.

خامساً:      إذا كان العرف الخاص محدوداً في إطار صغير لم يصح ترك القياس بسببه.

سادساً:      إذا كان إطار العرف الخاص واسعاً جداً جاز ترك القياس بسببه.

سابعاً:        إذا كان العرف متعارضاً مع الأهداف والمصالح الأساسية للشرع لم يعتبر.

المحور الرابع

تغير الحكم بتغير العرف:

أولاً:            إذا كانت مسائل ظاهر الرواية ثابتة بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة فهي لا تترك بالعرف، وتترك مسائل أخرى لكتب ظاهر الرواية بسبب العرف.

ثانياً:          إذا كان قول في مذهب فقهي معارضاً للعرف، ووُجد في مذهب فقهي آخر قول مطابق له، فالحكم بالعرف (مع مراعاة شروط اعتباره) ليس عدولاً عن المذهب بل هو اختيار العرف.

ثالثاً:          إذا تغير العرف في الأحكام الفقهية المبنية على العرف، لا على النصوص، حكم بالعرف الجديد.

المحور الخامس

الاشتراط في النكاح:

أولاً:            إذا اشترطت في النكاح شروط تؤكد ما يترتب على النكاح من واجبات وحقوق، فهي شروط معتبرة ، ويجب على الزوج الوفاء بها.

ثانياً:           وإذا اشترطت في النكاح شروط تنافي مقتضيات النكاح أو منعها الشرع، فهي شروط غير معتبرة، مثل شرط الزوج عدم النفقة، أو شرط الدوطة (DOWRY) أي طلب النقود والأموال من ذوي الزوجة.

ثالثاً:           وإذا اشترطت في النكاح شروط لم توجبها الشريعة ولم تمنعها، وجب الإيفاء بها.


1.  المراد بالدوطة المبلغ الذي تدفعه العروس في مجتمع الهند المسلم لقاء الزواج، وهي قضية متفشية في سكان الهند، وهي قضية الهندوس بالدرجة الأولى دخلت على المسلمين بسبب احتكاكهم بالهندوس، ويحارب قادة المسلمين هذه العادة وبدأت الحكومة الهندية كذلك تستنكر هذه العادة أخيراً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى